أمثلة تعبير الشافعية بـ«الفحوى» (الفوائد المكية)
قال السيد علوي السقاف في «الفوائد المكية»: وأما تعبيرهم بـ«الفحوى» فهو ما فهم من الأحكام بطريق القطع بالمقتضى، وبـ«المقتضى» و«القضية» هو الحكم بالشيء لا على وجه الصراحة كما أفتى به العلامة عبد الله الزمزمي. انتهى
فحوى القول معناه ولحنه، يقال: عرفت ذلك من فحوى كلامه. ومن أمثاله
قال الإمام النووي: إذا طلب الكافر الأمان ليسمع كلام الله تعالى، وجبت إجابته قطعا كما سبق، قال الإمام: وهل يمهل لذلك أربعة أشهر أم يقال إذا لم يفصل الأمر بمجالس يحصل فيها البيان التام يقال له: الحق بمأمنك، فيه تردد، أخذته من «فحوى» كلام الأصحاب، والأصح المنع.اه. (الروضة 10\336)
وقال في موضع آخر: وفي «فحوى» كلام الأصحاب وجه ضعيف مانع من إبهام الحجة لما فيه من سد باب الطعن والقدح على الخصم.اه. (المصدر السابق 11\178)
وقال أيضا: وقال إمام الحرمين «فحوى» كلام الأصحاب استحباب إيصال الماء إلى كل موضع ثلاثا فإنا إذا رأينا ذلك في الوضوء فالغسل أولى.اه. (المجموع 2\185)
وقال ابن الرفعة: قال الرافعي ويخرج من «فحوى» كلام الأئمة طريقة ثالثة، وهي حمل نصه في «البويطي» على ما إذا لم يأمن على نفسه من ارتكاب محظورات الإحرام، وتنزيل نصه في «الإملاء» على ما إذا أمن عليها,اه. (الكفاية 7\128)
وقال الإسنوي: والثالث يرد عليهما اهـ كلامه. ومقتضاه أنها ملفقة من «فحوى» كلام مجلي أو من اقتضاء كلامه إلخ. (الهداية 20\575)
وجاء في «فتاوى حج»: وسئل -نفع الله بعلومه- عمن قطع أنفه أو أنملته فجعل محله بدله من ذهب مثلا فهل يجب غسله في الوضوء والغسل أو إزالته وهل يمسحه بدلا عما تحته كالجبيرة أو لا؟
(فأجاب بقوله) إن كان ذلك البدل بحيث يمكن بلا خشية مبيح تيمم وعوده وجبت إزالته وغسل ما تحته، وهذا ظاهر، وإن لم يكن كذلك فالذي يظهر أنه إن بني عليه اللحم أو الجلد وستره وجب غسله، وكذا لو بني على بعضه فيجب غسل ذلك البعض، وهذا ظاهر أيضا، وأما الظاهر الذي لم يبن عليه اللحم ولا الجلد فهو محل تردد النظر، وقد ذكروا في «الجنايات» في السن المتخذة من ذهب أنه لا أرش فيها وإن كان نفعها أكثر من نفع الصحيحة وإنما فيها حكومة.
وهذا ناطق بأنهم لم يلحقوها بالسن الأصلية التي هي بدل عنها وإذا لم يلحقوها بها في حقوق الآدميين مع بنائها على المضايقة فأولى أن لا يلحقوا البدل في مسألتنا بالأصلي في حقوق الله تعالى، وعليه فلا يجب غسل ما لم ينبت عليه لحم ولا جلد من أنف النقد ولا أنملته، ومثله ما لو وصل عظمه بعظم نجس، بل هذا أولى، لأن غسل الظاهر معهود بخلاف غسل نجس العين، وكذا لو وصله بعظم طاهر لكن لا أولوية هنا بل قد يدعى عدم المساواة، لأن النقد لا يشبه العضو المفقود بوجه بخلاف العظم من آدمي أو حيوان فإنه يشبه العضو المفقود، فإن قلت سلمنا عدم وجوب غسل الظاهر من النقد المذكور فما يصنع فيما ستره من محل القطع الذي باشره القطع فظهر به وصار ظاهرا يجب غسله، قلت: إذا استحضرت أن الفرض أنه خشي من إزالة محذور التيمم ظهر لك أن اللحم أو الجلد بني عليه؛ إذ لا يخشى ذلك المحذور إلا حينئذ كما هو ظاهر، وإذا بني عليه ذلك وجب غسل ما استتر منه به دون ما عداه كما مر، وبفرض أنه لم يبن عليه شيء هو آيل إلى البناء عليه ويصير بعضه إن لم يعمه نحو اللحم أو كله إن عمه عضوا مغسولا، وبهذا فارق وجوب مسح الجبيرة بدلا عما أخذته من أطراف الصحيح لأنها ليست آيلة إلى العضوية بل هي بصدد الزوال فلم ينتظر فيها ذلك على أن مسحها كالخف رخصة فلا تجري في غيرهما لامتناع القياس في الرخص على ما تقرر في الأصول وخرج بقولي (محل القطع الذي ظهر به إلخ) باطن الأنف المستتر بالقصبة والمارن، فهذا لو فرض ظهوره لم يجب غسله عملا بالأصل فيه وهو كونه باطنا وإذا لم يجب غسله بفرض ظهوره فما ستره من أنف النقد أولى إذا لا يجب غسله ولا يأتي نظير ذلك في الأنملة، لأن جميع ما ظهر يجب غسله لأنه قبل القطع لم يحكم عليه بشيء لتعذر ظهوره وباطن الأنف محكوم عليه بالباطنية مع تأتي غسله وبهذا يظهر لك الفرق بين إيجابهم غسل ما ظهر بالقطع دون ما كان مستترا بالقصبة والمارن، وكذا باطن الفم، ثم رأيت بعضهم أفتى في هذه المسألة بما حاصله أنه يجب مسحه كالجبيرة مع ستر كل لما يجب غسله، وقد علمت فساد القياس سيما مع ظهور الفرق الذي ذكرته على أنه توقف بعد ذلك فيها بحثه من وجوب المسح كالجبيرة، ثم قال ينبغي إن التحم جانب الأنف وجب غسل الملتحم وكذا بقية أنف النقد تبعا قياسا على ما لو جبر عظمه بعظم طاهر فالتحم جانباه فإن الظاهر وجوب غسل الجميع وقياسا على انكشاط جلدة العضد والتصاقها بالساعد فإنه يجب غسل ظاهر ما يحاذي الفرض منها مع ما تحته إن تجافت، والجامع بينهما كون كل منهما لا يجب غسله من قبل وإنما وجب غسله تبعا لا أصالة.اه. وقد علمت مما قدمته فساد القياس على الجلدة المذكورة لأنها من جنس ما يجب غسله فإذا صارت في محل الفرض نسبت إليه وعدت منه فوجب غسلها لذلك وأما أنف النقد فليس من جنس ما يجب غسله في الطهارة بحال فلم يصح قياسه ولا جامعه المذكوران فتأمل ذلك وأمعن النظر فيما قررته لك فإنه مهم إذ لم يصرحوا فيه بشيء، وإنما أخذنا ذلك من «فحوى» كلامهم، والله سبحانه وتعالى هو الموفق وفوق كل ذي علم عليم.اه. (الفتاوى الكبرى 1\61)
وجمع حج بين «الفحوى» و«الاقتضاء»، قال: كما اقتضاه فحوى كلامهم.اه. (الفتاوى الكبرى 2\117)